حياة الامام مسلم وتعريف كتابه صحيح مسلم
حياة الامام مسلم وتعريف كتابه صحيح مسلم
اسمه ولقبه ونسبه ونسبته:
هو الإمام الحافظ المجوِّد الحُجَّة
الصادق، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري.
وقُشَير قبيلة من العرب معروفة، ونيسابور مدينة مشهورة بخراسان من أحسن مدنها،
وأجمعها للعلم والخير. وُلِد بنيسابور سنةَ 206هـ/ 821م.
طفولته ونشأته:
نشأ الإمام مسلم في بيت تقوى وصلاح
وعلم، فقد كان والده حجاج بن مسلم القشيري أحد محبي العلم، وأحد من يعشقون حلقات
العلماء، فتربى الإمام وترعرع في هذا الجوِّ الإيماني الرائع. وقد بدأ الإمام مسلم
(رحمه الله) رحلته في طلب العلم مبكرًا، فلم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره
حين بدأ في سماع الحديث؛ قال الذهبي: "وأول سماعه في سنة ثماني عشرة من يحيى
بن يحيى التميمي، وحج في سنة عشرين وهو أمرد".
شيوخه:
للإمام مسلم رحمه الله شيوخ كثيرون، بلغ
عددهم مائتين وعشرين رجلاً،
وقد سمع بمكة من عبد الله بن مسلمة القعنبي، فهو أكبر
شيخ له، وسمع بالكوفة والعراق والحرمين ومصر.
ومن أبرز هؤلاء الأئمة:
يحيى بن يحيى النيسابوري،
وقتيبة بن سعيد،
وسعيد بن منصور،
وإسحاق بن راهويه،
وأبو خيثمة زهير بن حرب،
وأبو كريب محمد بن العلاء،
وأبو موسى محمد بن المثنى،
وهناد بن السري،
ومحمد بن يحيى بن أبي عمر،
ومحمد بن يحيى الذهلي،
والبخاري،
وعبد الله الدَّارِمِي،
وإسحاق الكوسج،
وخلق سواهم.
تلاميذه
علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي، وهو
أكبر منه،
ومحمد بن عبد الوهاب الفرَّاء شيخه، ولكن ما أخرج عنه في (صحيحه)،
والحسين بن محمد القباني،
وأبو بكر محمد بن النضر بن سلمة الجارودي،
وعلي بن الحسين بن الجنيد الرازي،
وصالح بن محمد جزرة،
وأبو عيسى الترمذي في (جامعه)،
وأحمد بن المبارك المُسْتَمْلِي،
وعبد الله بن يحيى السرخسي القاضي،
ونصر بن أحمد بن نصر الحافظ،
وغيرهم كثير.
مؤلفاته
للإمام مسلم رحمه الله مؤلفات كثيرة،
منها ما وُجد، ومنها ما فُقد؛ ومن هذه المؤلفات:
-
كتابه الصحيح، وهو أشهر كتبه.
- كتاب التمييز.
- كتاب العلل.
- كتاب الوحْدَان.
- كتاب الأفراد.
- كتاب الأَقْران.
- كتاب سؤالاته أحمد بن حنبل..
- كتاب المخضرمين.
- كتاب أولاد الصحابة.
- كتاب أوهام المحدثين.
- كتاب الطبقات.
- كتاب أفراد الشاميين.وغيرها كثير.
منهجه في الحديث
كتب الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ،
أودعه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه، ورتبه على أبواب الفقه، ثم عُني الحفاظ
بمعرفة طرق الأحاديث وأسانيده المختلفة، وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن
رواة مختلفين، وقد يقع الحديث أيضًا في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل
عليها.
وجاء محمد بن إسماعيل
البخاري إمام
المحدِّثين في عصره، فخرَّج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق
التي للحجازيين والعراقيين والشاميين، واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا
فيه، وكرَّر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث، فتكررت
لذلك أحاديثه حتى يقال: إنه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين، منها ثلاثة آلاف
متكررة، وفرَّق الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب.
ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري
(رحمه الله)، فألَّف مسنده الصحيح، حذا فيه حذو البخاري
في نقل المجمع عليه، وحذف المتكرِّر
منها، وجمع الطرق والأسانيد، وبوَّبه على أبواب الفقه وتراجمه، ومع ذلك فلم يستوعب
الصحيح كله، وقد استدرك الناس عليه وعلى البخاري في ذلك. قال الحسين بن محمد
الماسرجسي: سمعت أبي يقول: سمعت
مسلمًا يقول: "صنَّفت هذا - المسند الصحيح - من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة".
وقد استغرقت مدة تأليفه لهذا الكتاب خمسة
عشر عامًا، قال أحمد بن سلمة: "كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة". وقد ألَّفه في
بلده، كما ذكر ابن حجر في هدي الساري حيث قال: "إن مسلمًا صنف كتابه في بلده،
بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق".
ثناء العلماء عليه
قال أبو قريش الحافظ: سمعت محمد بن بشار
يقول: "حُفَّاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله
الدَّارِمِي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى".
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري:
"ما تحت أديم السماء أصحُّ من كتاب مسلم في علم الحديث".
وقال عنه صاحب أبجد العلوم (صديق بن حسن
القنوجي): "والإمام مسلم بن الحجاج القشيري البغدادي أحد الأئمة الحفاظ،
وأعلم المحدثين، إمام خراسان في الحديث بعد البخاري".
وقال أحمد بن سلمة: "رأيتُ أبا
زرعة وأبا حاتم يقدمان (مسلمًا) في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما".
من كلماته الخالدة
- قوله للإمام البخاري: "دعني
أُقبِّلْ رجليك يا أستاذ الأُسْتَاذِينَ، وسيِّد المحدثين، وطبيب الحديث في علله".
وفاة الإمام مسلم
عاش الإمام مسلم 55 سنة، وتُوفِّي ودفن
في مدينة نيسابور سنةَ 261هـ/ 875م. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين خير
الجزاء.
تعريف بكتابه المسند الصحيح
اسم الكتاب: هو "المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل
عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، كما ذكره الحافظ ابن خير
الإشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه .
سبب تأليفه
لكتابه:
سبب تأليف الإمام مسلم كتابه بناء على
طَلَبٍ طُلِبَ منه ، وهذا نص كلامه :
قال الإمام مسلم في مقدمة الصحيح:"
فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرت أنك هممت بالفحص عن تَعَّرُفِ جملة الأخبار
المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن الدين وأحكامه ، وما كان منها في
الثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب ، وغير ذلك من صنوف الأشياء بالأسانيد التي
بها نقلت ، وتداولها أهل العلم فيما بينهم ـ إلى أن قال: ـ وللذي سألت أكرمك الله
حين رجعتُ إلى تدبُّره ، وما تؤول به الحال ـ إن شاء الله ـ عاقبة محمودة ومنفعة
موجودة ، وظننتُ حين سألتني تجشُّم ذلك أن لو عزم لي عليه ، وقضي لي تمامه ؛ كان
أول من يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس ـ إلى أن قال: ـ ولكن من أجل ما
أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة ، وقذفهم بها إلى
العوام الذين لا يعرفون عيوبها ؛ خف على قلوبنا أجابتك إلى ما سألت".
مكانة الصحيح عند أهل
العلم:
يحتل صحيح مسلم مكانة
متقدمة بين كتب الحديث المصنفة حيث يعتبر صحيح مسلم عند أهل السنة والجماعة ثاني
أصح الكتب المصنفة بعد القرآن الكريم ثم صحيح البخاري. قال الإمام النووي:
"
ومن حقَّق نظره في صحيح مسلم رحمه الله واطَّلع على ما أودعه في أسانيده وترتيبه
وحسن سياقته وبديع طريقته من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق وأنواع الورع والاحتياط
والتحري في الرواية وتلخيص الطرق واختصارها وضبط متفرقها وانتشارها وكثرة اطلاعه
واتساع روايته وغير ذلك ما فيه من المحاسن والأعجوبات واللَّطائف الظاهرات والخفيَّات
علم أنه إمامٌ لا يلحقه من بعد عصره وقلَّ من يساويه بل يُدانيه من أهل وقته ودهره
،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " .
وقال ابن حجر العسقلاني:"حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم
يحصل لأحد مثله بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل وذلك لما
اختص به من جميع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير
تقطيع ولا رواية بمعنى وقد نسج على منواله خلق عن النيسابوريين فلم يبلغوا شأوه
وحفظت منهم أكثر من عشرين إماما ممن صنف المستخرج على مسلم فسبحان المعطي الوهاب
".
عدد كتب
وأحاديث صحيح مسلم: وعدد كتبه 54 كتابـًا، أولها كتاب الإيمان وآخرها
كتاب التفسير، و عدد أحاديثه 3033 حديث.
رواة صحيح
مسلم :
لصحيح الإمام مسلم رواة
كثيرون والذي وصلنا من طرق كتب الفهارس والأثبات روايته من طريق أربعة من تلاميذه
وهم:
1ـ أبو اسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، ولم يسمع الصحيح
كاملاً من الإمام مسلم، بل إن له فائتاً لم يسمعه، يقال فيه: أخبرنا إبراهيم عن
مسلم، وذلك الفوت في كتاب الحج وفي أول الوصايا وفي أحاديث الإمارة والخلافة، وهذا
الفوت الأخير هو أكبرها، حيث يبلغ نحو ثمان عشرة ورقة، كما قال ابن الصلاح في
صيانة صحيح مسلم.
2 ــ أبو محمد أحمد بن علي بن المغيرة القلانسي. وقد ساق ابن عطية
سنده إلى القلانسي عن مسلم ثم قال:" حاشا ثلاثة أجزاء من آخر الديوان؛ أولها
حديث عائشة في الإفك؛ الحديث الطويل، فإن أبا العلاء تلميذ القلانسي، يروي ذلك عن
أبي أحمد الجلوذي عن إبراهيم بن سفيان عن الإمام مسلم.
3 ـ مكي بن عبدان بن محمد التميمي النيسابوري.
4 ـ أبو حامد بن الشرقي أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري.
وقد روى ابن نقطة في
التقييد بعضا من رواية مكي بن عبدان عن الإمام مسلم، ورواه الجوزقي الحافظ من طريق
ابن الشرقي، سماعاً لبعضه ومن طريق مكي ابن عبدان سماعاً لجميعه.
الإمام
مسلم ومنهجه في كتابه المسند الصحيح
منهجه المتعلِّق
بالأسانيد
أولاً / شروطه
في أسانيد صحيحه:
1 ـ شرط الصحة العام:
أن يكون الحديث متصل الإسناد، بنقل
الثقة عن الثقة، من أوله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ ومن العلة، وليس معنى ذلك
أنه ضمَّن كتابه جميع ما يحفظه من الأحاديث الصحيحة، حيث قال: "ليس كل شيء
عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه"، وقال أيضا:
"صنَّفت هذا المسند الصحيح من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة".
2 ـ الرجال الرواة:
قسَّم الرواة إلى ثلاث طبقات: الطبقة الأولى هم الحفاظ المتقنون، والثانية هم المتوسطون في الحفظ والإتقان، والثالثة هم الضعفاء المتروكون، فيروي عن أهل الطبقة الأولى في الأصول، وعن أهل الثانية في المتابعات والشواهد، وأما أهل الثالثة فلا يعرِّج عليهم.
3 ـ اتصال السند المعنعن :
اشترط
معاصرة الراوي لمن روى عنه بالعنعنة، مع إمكانية لقائهما، وانتفاء موانع اللقاء. حيث قال في مقدمة
صحيحه:"وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات
قديماً وحديثاً: أنَّ كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع
منه، لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا
تشافها بكلام، فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بيِّنة أن
هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا "
ثانياً /
منهجه في ترتيب أحاديث صحيحه:
1= الترتيب
على الأبواب: رتّب الإمام مسلم كتابه على الأبواب، مع
أنه لم يذكر عناوين (تراجم) لهذه الأبواب، لئلا يزداد بها حجم الكتاب أو لغير ذلك،
وأما (التراجم) أي عناوين الأبواب الموجودة في نسخ صحيح مسلم الموجودة الآن فهي من
وضع الإمام النووي أثناء شرحه للصحيح.
2= ترتيب
الأحاديث في الباب: كان الإمام مسلم يتوخّى تقديم الأخبار
التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى (الأصح)، ثم يعقِّب بما هو أقل في الدرجة
والإتقان، وكان يقدِّم الإسناد الذي وقع له بعلوّ (الإسناد العالي)، حتى وإن كان فيه بعض
أهل الطبقة المتوسطة، وكان يكتفي به أحيانا دون أن يذكر الإسناد النازل من رواية
الثقات.
ثالثاً /
منهجه في المعلّقات والمراسيل:
الأصل أنه لم يُخرج في صحيحه إلا ما
اتصل سنده، ولكنه في المتابعات أورد بعض الأسانيد غير المتصلة (المعلقة والمرسلة)
لأغراض علمية ثانوية.
1ـ المعلقات: الحديث المعلق هو الذي سقط من مبتدأ سنده (من جهة المصنف) راوٍ
أو أكثر على التوالي، والأحاديث المعلقة في صحيح مسلم عددها سبعة عشر (17)حديثاً،
منها ستة عشر (16)حديثاً رواها موصولة أيضاً، وواحد علَّقه ولم يصله في موضع آخر،
ولا يعدّ ذلك قدحاً في صحيحه، لكونه حديثاً واحداً.
2 ـ المراسيل : الحديث المرسل هو ما رفعه التابعي إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون سقط منه اسم صحابي أو صحابي وتابعي، أو ربما
أكثر من ذلك، وبالتالي فهو من أنواع المنقطع، ولما كان اتصال السند شرط من شروط
صحيحه، فإنَّ الأحاديث المرسلة ليست على شرطه ولم يخرجها للاحتجاج بها، ولذا فهي
مروية في المتابعات والشواهد، ويندر وجودها، حيث لا تتجاوز عشرة (10)أحاديث
في صحيح مسلم.
والفائدة من
إيراده للمرسل: أنه يورده محتجّاً بالمسند منه، لا
بالمرسل، ولم يقتصر عليه، للخلاف في جواز تقطيع الحديث، على أنّ المرسل منه قد
تبيَّن اتصاله من وجه آخر، وكذلك يريد الإشارة إلى الاختلاف الواقع في الحديث،
وأنه صحيح لا يضره الخلاف، حيث يُخرج الحديث على الوجهين: الإرسال والوصل، أو
الوقف والرفع، فيُخرجه أولاً من طريق صحيح متصل، ثم يذكر المرسل في المتابعات
والشواهد، وبذلك يكون المرسل مقويًّا للمتصل بعد أن ثبتت صحة الوصل والرفع.
رابعاً /
منهجه في الآثار الموقوفة:
الموقوفات في صحيح مسلم أقل من التي وردت في
صحيح البخاري، ثم إن معظمها أوردها الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، لا في أصله، وقد
أخرج جميعها تبعاً لا مقصوداً، وغالب ما أورده من الموقوف يتعلق بمسائل رواية
الحديث، وجلُّ ما أورده خارج المقدمة يتعلق بمناسبات ورود أحاديث مرفوعة، وقد جمع
الحافظ ابن حجر موقوفات مسلم في جزء صغير سماه: "الوقوف على ما في صحيح
مسلم من الموقوف ".
خامساً / منهجه
في تكرار الحديث:
بيَّن الإمام مسلم ذلك في مقدمة صحيحه
حيث قال : "إِنَّا نَعْمِدُ إِلَى جُمْلَةِ مَا أُسْنِدَ مِنَ الأَخْبَارِ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فنَقْسِمُها عَلَى ثَلاثَةِ أقسَام،
وَثَلاَثِ طَبَقَاتٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ تَكْرَارٍ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِي
مَوْضِعٌ لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تَرْدَادِ حَدِيثٍ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى
أَوْ إِسْنَادٌ يَقَعُ إِلَى جَنْبِ إِسْنَادٍ لِعِلَّةٍ تَكُونُ هُنَاكَ، لأَنَّ
الْمَعْنَى الزَّائِدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ
حَدِيثٍ تَامٍّ، فَلاَ بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْحَدِيثِ الَّذِى فِيهِ مَا
وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ، أَوْ أَنْ يُفَصَّلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ
جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ. وَلَكِنْ تَفْصِيلُهُ
رُبَّمَا عَسُرَ مِنْ جُمْلَتِهِ فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ إِذَا ضَاقَ ذَلِكَ
أَسْلَمُ، فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِنْ إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ مِنْ
غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ فَلاَ نَتَوَلَّى فِعْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى".
ومعنى ذلك أن التكرار عنده ظاهري لا حقيقي؛
لأنه لا يعيد الحديث إلا مع اختلاف في سنده أو متنه أو لفائدة جديدة، وهذه الفوائد
التي يكون التكرار لأجلها.
سادساً / منهجه
في بيان طرق الحديث واختصارها:
الأصل في إخراج الأحاديث بأسانيدها أن
يُفرَد كل حديث بالرواية سنداً ومتناً، ولكن خشية التطويل دفعت الأئمة – ومنهم
الإمام مسلم – إلى
اتباع طرق للاختصار، منها:
1 ـ جمع الشيوخ
بالعطف: جمع
بين شيوخه بالعطف بحرف الواو، طلبا للاختصار، وعدم تكرار الجزء المشترك من الإسناد
بأكمله، قال الإمام مسلم في صحيحه: "حدثنا محمد بن بكار بن الريان، وعون بن
سلام، قالا: حدثنا محمد بن طلحة..." الحديث.
2 ـ جمع
الأسانيد بالتحويل: جمع
بين الأسانيد باستخدام حرف يدل على التحويل -أي الانتقال من سند إلى آخر- وهو حرف
"ح"، وكان الإمام مسلم من أكثر الأئمة استخداما لذلك، والهدف من التحويل
اختصار الأسانيد التي تلتقي عند راو معين، بعدم تكرار القدر المشترك بينها، وتوضع
حاء التحويل "ح" عند الراوي الذي تلتقي عند الأسانيد، ويكون عليه مدار
مخرج الحديث، وقد توضع حاء التحويل بعد ذكر جزء من المتن، عند الموضع الذي يبدأ
فيه اختلاف الروايتين.
3 ـ ذكر
بعض الطرق أو جزء من حديث والإشارة إلى الباقي للاختصار:
إذا كان للحديث أكثر من إسناد أو متن،
فإنه قد يذكر بعضها ويشير إلى باقيها، دون أن يذكرها بطولها، فقد يقول: ورواه فلان
عن فلان أيضا، قال الإمام مسلم في صحيحه بعد أن ذكر أحد الأحاديث: "وساقوا
الحديث بمعنى حديث كَهمَس وإسناده، وفيه بعض زيادة ونقصان أحرف".
منهجه المتعلق بالمتون
أولاً / منهجه في تراجم الأبواب ومسالكها:
قسَّم الإمام مسلم صحيحه إلى أربعة
وخمسين كتاباً، وقسّم كل كتاب منها إلى عدد من الأبواب، لكنه لم يجعل لهذه الأبواب
عناوين تدل عليهما، بيد أنه رتّبها ترتيباً محكَماً سهّل على من جاء بعده وضع
عناوين لها، وقد علّق الإمام النووي على ذلك فقال: "وقد ترجم جماعةٌ أبوابَه
بتراجم بعضُها جيِّدٌ وبعضُها ليس بجيِّد، إمَّا لقصور في عبارة الترجمة، وإمَّا
لركاكةِ لفظها، وإمَّا لغير ذلك، وأنا إن شاء الله أحرصُ على التعبير عنها بعبارات
تليقُ بها في مواطنها".
وقد وفَّى الإمام النووي بما وعد به،
فوضع لأبواب صحيح مسلم تراجم تليق به، وكانت كلها من التراجم الظاهرة، وقد غلب على
بعض التراجم الطول، بسبب محاولته جَعل العنوان شاملا لكل المعاني المندرجة في
أحاديث الباب.
ثانياً /
منهجه في ذكر الفوائد والتعليق على بعض الروايات:
لم يوجِّه الإمام مسلم عنايته إلى ذكر
الفوائد ونحوها، بل اقتصر على ذكر الأحاديث دون التعرض لغريبها أو مختلفها، وأما
الناسخ والمنسوخ فإنه كان يكتفي بتقديم المنسوخ وتأخير الناسخ، دون أن يصرِّح
بالنسخ تصريحاً.
ثالثاً /
منهجه في العناية بالألفاظ:
كان الإمام مسلم يتحرّى الدقة الشديدة
في مروياته، فكان يذكرها كما رواها وسمعها، ولم يكن يقطِّع الأحاديث، ولم يكن
يتصرَّف في الألفاظ، إضافة إلى ذلك فإنه كان يفتِّش عن أسماء من لم يسمُّوا في الأحاديث،
ويهتمُّ بإيراد أسمائهم، ومثال ذلك ما أورده في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله
عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي
امْرَأَةٌ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ». فَقُلْتُ امْرَأَةٌ لاَ تَنَامُ تُصَلِّي. قَالَ: «عَلَيْكُمْ
مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا». وَكَانَ
أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَفِى حَدِيثِ أَبِى
أُسَامَةَ: أَنَّهَا
امْرَأَةٌ مِنْ بَني أَسَدٍ، ثم ذكر في رواية بعدها أنها: الْحَوْلاَءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ
حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وهذا يدل على عنايته الشديدة بمثل تلك
الأمور، بينما لم يكن الإمام البخاري يولِي عناية كبيرة بمثل ذلك.
هذا غيض من فيض من صنيع الإمام مسلم في
كتابه الذي حاز مكانة مرموقة بين كتب الحديث .
الأعمال العلمية على صحيح مسلم:
أولاً:المختصرات:
وقام
عدد من العلماء باختصار الكتاب بحذف الأسانيد وعزو الحديث إلى الصحابي مباشرة، أو حذف الأحاديث المكررة في
الباب، ومن هذه المختصرات:
·
مختصر صحيح مسلم: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت، المتوفى عام 524 هـ.
·
مختصر صحيح مسلم: لأبي العباس أحمد بن عمر
الأنصاري القرطبي، المتوفى عام 656 هـ.
·
مختصر صحيح مسلم: لأبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، المتوفى عام 656 هـ.
·
مختصر صحيح مسلم: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المتوفى عام 679 هـ.
·
مختصر صحيح مسلم: لمحمد ناصر الدين الألباني، المتوفى عام 1420 هـ.
ثانياً:التعريف برجال
صحيح مسلم:
كما
اعتنى العلماء بدراسة أحوال وتراجم الرواة الذين أخرج عنهم الإمام مسلم
في صحيحه، من شيوخه وشيوخ شيوخه وصولاً إلى التابعين والصحابة، ومن هذه الكتب:
·
رجال صحيح مسلم: لأبي بكر أحمد بن منجويه الأصبهاني، المتوفى عام 428 هـ.
·
المنهاج في رجال مسلم بن الحجاج: لعبد الله بن
أحمد بن سعيد بن يربوع الإشبيلي، المتوفى عام 522 هـ.
·
رجال مسلم بن الحجاج: لأبي العباس أحمد بن طاهر الأنصاري
الداني،
المتوفى عام 532 هـ.
·
تسمية رجال صحيح مسلم الذين انفرد بهم مسلم عن البخاري:
لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، المتوفى عام 748 هـ.
·
أسماء رجال مسلم: لعبد الله
الطيب بن عبد الله بامخرمة، المتوفى عام 947 هـ.
·
خلاصة القول المفهم على تراجم جامع الإمام مسلم: لمحمد أمين
بن عبد الله الهرري.
ثالثاً: من شروح
صحيح مسلم:
لقد شرح صحيح
مسلم علماء كثيرون
1 ـ
المعلم بفوائد مسلم، للإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري (ت536هـ).
2 ـ إكمال
المعلم في شرح صحيح مسلم ، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي
المالكي(ت544هـ).
3 ـ المفهم لما
أشكل من تلخيص مسلم، للإمام أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي (ت656هـ).
4 ـ المنهاج شرح
صحيح مسلم بن الحجاج ،للإمام محيي الدين يحيى بن شرف بن مري النووي (ت676هـ). وهو شرح وسط جمع عدة شروح سبقته، ومن أشهر شروح صحيح مسلم.
5 ـ إكمال إكمال
المعلم في شرح صحيح مسلم ،للإمام أبي عبد الله محمد بن خليفة الوشناني الأبي التونسي(ت827هـ)[تضمن
كتب شراحه الأربعة المازري وعياض والقرطبي والنووي مع زيادات مكملة وتنبيه]
6
ـ مكمل إكمال
الإكمال ،لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسني (ت895هـ).
7
ـ الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج :وهو شرح
جلال الدين السيوطي المتوفى عام (911هـ
8
ـ شرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي
المتوفى (926هـ).
9 ـ شرح الشيخ علي القاري الحنفي نزيل مكة المتوفى سنة (1014هـ)
وشرحه في أربعة مجلدات.
10 ـ السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج/ تأليف صديق
خان القنوجي.
11ـ فتح الملهم بشرح صحيح مسلم / تأليف شبير العثماني.
12ـ تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم /تأليف محمد تقي العثماني.
13ـ فتح المنعم شرح صحيح مسلم /تأليف موسى شاهين لاشين.
14ـ المعلم بشرح المختار من صحيح مسلم / تأليف محمد محمد السماحي
من علماء الأزهر.
15ـ منة المنعم شرح صحيح مسلم / تأليف الشيخ صفي الرحمن
المباركفوري.
16 ـ الكوكب الوهاج والروض
البهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج / تأليف محمد الأمين بن عبد الله الهرري.
رابعاً :طبعات الكتاب:
ــ طبعة
دار النوادر وهي معتمِدة على الطبعة التركية العامرة وتقع في أربعة مجلدات. ــ طبعة دار المعرفة بتحقيق خليل
مأمون شيحا وتقع في مجلد واحد. ــ طبعة
دار التأصيل بتحقيق مركز البحوث التابع للدار وتقع في سبعة مجلدات. ــ طبعة دار المنهاج
بتحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر وهي مصوّرة عن الطبعة التركية العامرة وتقع في
أربعة مجلدات.
وطبعات أخرى كثيرة جداً.
خامساً: الدراسات
المعاصرة حول صحيح مسلم:
ـــ الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه - د. محمد عبد
الرحمن الطوالبة.
ـــ منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى
عصرنا الحاضر - على عبد الباسط مزيد .
ـــ الإمام مسلم وصحيحه – للشيخ عبد المحسن بن
حمد العباد البدر.
ــــــــ
بين الإمامين مسلم والدارقطني. للدكتور ربيع بن هادي
المدخلي.
ـــ الإمام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح
ومحدث الإسلام الكبير - مشهور بن حسن محمود آل سلمان .
ــــــــ عبقرية الإمام مسلم في
ترتيب أحاديث مسنده الصحيح،د.حمزة عبد الله المليباري.
No comments
Post a Comment